اعلان

آخر الأخبار

breaking//9
السنة الأولى ابتدائي

05‏/06‏/2017

الاثنين, يونيو 05, 2017

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
جريدة الحوار: 2017-05-29

تغيير تصورنا للوجود


 الروح الشاغرة:

بقلم: نور الدين بوكروح

 ترجمة: ساعي عايــدة
كُتب هذا المقال منذ خمس و أربعين سنة حيث كان كاتبه طالبا في الجامعة، و التي كانت تشهد نقاشات بين روادها في المقاهي الشهيرة و القريبة منها و قد كانت تشبه إلى حد ما النوادي الأدبية، فكانت النقاشات تتناول مواضيع مختلفة لعل أهمها ما يتعلق بالإيديولوجيات السائدة حينها كـ"التقدمية " (الاشتراكية الماركسية). ويعرض الكاتب هنا حال المتأثرين بها إلى درجة أن صاروا كالإسفنجة التي تتشرب كل شيء، و يعزو ذلك الى الفراغ الروحي و العقلي الذي يعانون منه.

بالرغم مما تؤكده الحكمة القائلة:" من النقاش ينبثق النور" إلا أن ما يحدث أحيانا معنا هو العكس ، ويكفينا كدليل على ذلك حال الشبيبة (الطلبة) الجالسة على طاولات المقاهي و التي توشك أن تصل نقاشاتها إلى درجة الاشتباك بالأيدي عندما تحل حدة الانفعال محل البرهنة و الاستدلال في موضوع شائك يخترق أسماعنا حتى و إن لم نعره كبير اهتمامنا.

هو حوار طرشان لا طائل منه، لكن هذا العَرَض يلفت الانتباه إلى حالة عقلية تدعو للقلق وهي آخذة في الانتشار. تفكير منغلق على منهج فكري محدد، خضوع مغفل لكل ما له طابع"علمي"، توظيف عشوائي لجمل نمطية، كل هذه السمات تجتمع لتميز ما أسميناه عن استحقاق و جدارة: "الروح الشاغرة". هذه الغرغرينة التي تنخر فكر شبابنا و الذي يعمد لحشو رأسه بمفاهيم يجرها عليه "أصحاب الهوس الفكري" : يسار، يمين، تقدمية، أصولية، صراع طبقي، هي الكلمات المنمقة التي تتكرر كل مرة في أي ثرثرة علمية، و غالبا ما تخرجها عن سياقها و تعريفها الأصلي.

قلب المواضيع والإسقاط هما العمليتان الأسهل في المبارزات الكلامية على حساب المعنى السليم و كل منهجية مؤسسة. في إسهاب لكن بلغة ركيكة، و لكي يشرح الثرثارون محترفي لغة الخشب مشيكلا صغيرا لدينا يعتقد كل واحد منهم انه يتحتم عليه أن يستند إلى شخصية معترف بها، حتى يبدو الموضوع علميا أكثر وبالتالي قابلا للنقاش: " باختصار،أنا لا أدري...هي مسألة جدلية...حسنا..بداية كل ما قلته لا يستند إلى قواعد متينة...لكن حاول أن تفهم...لم يبق سوى المثاليون الأثرياء الصغار من يتحدثون مثلك...على كلٍّ أنجلس (Engels) أثبت ذلك في كتاب و لن تخبرني أن ذلك ليس صحيحا".
وعلى منظرينا أن يخطبوا بإسهاب دون أن يصلوا إلى نتيجة تذكر حول ما قال فلان في إشكالية المرأة مثلا. الأمر الذي فصل فيه و صيغ حله منذ قرن، كل هذا بتوظيف شيء من لهجة ما وراء البحار(اليسار الفرنسي تحديدا) و سمة ثائرة لجمع الظروف الملائمة للنقاش.

بالنسبة لأصحاب " أنا لا أدري"(هذه العبارة الموظفة بلا هوادة خصوصا لملئ فراغ ما) العالم ثنائي الأقطاب.إذا قدمت فكرة تخالف توجههم سيتم نسبتك إلى جهة ما تعليمك وتصنيفك، تقدمي أو رجعي، يميني أو يساري.المعيار الذي يستخدم كي يقرر في أي تصنيف يضعك بسيط جدا: من لا يشبهني هو ضدي، من ليس أنا هو رجعي... واللعبة منتهية.
مخطط مضحك تم استعارته برعونة من المصطلحات السياسية للجيران. لقد وجد خبراؤنا اكتشاف القرن و الصيغة العظيمة للحقائق المقدسة، وهم بذلك تورطوا في شكل جديد و خطير من أشكال الجهل: "الألفبائية" التي ندد بها مالك بن نبي كاتبُ" شروط النهضة" منذ خمس و عشرين سنة .
لماذا يجب أن يكون هناك أناس لجمع ما يرميه الآخرون، ويطلبون هم أنفسهم من الآخرين أن يتقبلوا ما يفكرون هم به في مسألة ما و أن يتبنوا آخر مناهجهم بدون أي معيار أو أي نقد؟ لابد أن يكون العقل فارغا و الروح خاوية حقاًّ كي ينفتح أمام كل تيار ويميل مع أية ريح، لدرجة أن يصبح صاحبه عبدا لكلمات منمقة و نظريات لا تدرس بعمق لكنها تستحضر دائما فقط لأنها على الموضة.هذا الخضوع الأعمى لما قاله و فعله الآخر لا يمكن أن يكون إلا مضرا بالعقل لأنه يقيده و يحول دون إبراز أي قدرة إبداعية.
منذ أيام عبرت شخصية مثقفة عن رأيها تجاه التعريب، و لكي يدعم ذلك المثقف رأيه و يعطيه وزنا، أرفق فكرته بفكرة كارل ماركس (Karl Marx) حول نفس الموضوع حين كتب في مراسلة لصديقة أنجلس (Engels) في 06 جوان 1853 التالي:" لأنه و بعد كل شيء، ها أنا على أية حال في ضيق لعدة أسابيع في الشرق القذر، لقد انتهزت هذه الفرصة لتعلم اللغة الفارسية، الأمر الذي أبعدني عن العربية، من جهة لكرهي الدفين للغات السامية، و من أخرى لأنه، و بدون تضييع الكثير من الوقت، من المستحيل الوصول إلى نتائج تذكر خاصة و الأمر يتعلق بلغة لها 4000 جذر و تمتد على مدى 2000 إلى 3000 سنة.في حين، بالنسبة للغات، تعتبر الفارسية لعبة أطفال بحق.لو لم تكن هناك الأبجدية العربية اللعينة حيث يوجد دائما ستة أحرف تتشابه، و حيث لا نكتب حروف العلة، لكنت تعلمت كل قواعد النحو في ظرف 48 ساعة".....
لقد عبر ماركس عن رأيه، وهو حرٌّ في أن يفكر ما يشاء حول اللغة العربية لأنها ليست لغته التاريخية، الأم أو الوطنية.لكن ليس لجزائري هذه الصلاحية ولا يمكن له أن يحوزها لأنها في الحقيقة اللغة الوحيدة التي يمتلكها، حتى وإن زيفت الحوادث التاريخية ذلك.
جريدة المجاهد 9 فيفري 1972.
تغيير، تصورنا، للوجود: بقلم: نور،الدين، بوكروح

إرسال تعليق

مكتبة المدونة